فصل: باب ما جاء في شبه العمد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بالمثقل وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن يهوديًا رضَّ رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمى اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فاعترف فأمر به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فرض رأسه بحجرين‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رضّ رأس جارية‏)‏ في رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وبها رمق‏)‏‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ ‏(‏قتل جارية من الأنصار على حلي لها ثم ألقاها في قليب ورضخ رأسها بالحجارة فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات‏)‏ والحديث يدل على أنه يقتل الرجل بالمرأة وإليه ذهب الجمهور وحكى ابن المنذر الإجماع عليه إلا رواية عن علي وعن الحسن وعطاء ورواه البخاري عن أهل العلم وروي في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولي الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية وقد رواه أيضًا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ولكنه قال وهو مذهب مالك والشافعي ولم يقل وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري وهم محض قال ولا يوجد في كتب المذهبين يعني مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالأنثى انتهى‏.‏

وأخرج البيهقي عن أبي الزناد أنه قال‏:‏ كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل إن المرأة تقاد من الرجل عينًا بعين وأذنًا بأذن وكل شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال البيهقي‏:‏ وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس‏.‏

واختلف الجمهور هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة أم لا فذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو العباس وأبو طالب إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل وحكاه البيهقي عن عثمان البتي وحكاه أيضًا السعد في حاشية الكشاف عن مالك وذهبت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد باللّه والإمام يحيى إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية وقد احتج القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى ‏{‏النفس بالنفس‏}‏ ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني إسرائيل كما يدل على ذلك قوله تعالى ‏{‏وكتبنا عليهم فيها‏}‏ أي في التوراة‏.‏

وقد صرح صاحب الكشاف بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى‏}‏ وهذه الآية تدل على اعتبار الموافقة ذكورة وأنوثة وحرية‏.‏

وقد أجاب السعد عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه‏:‏

الأول أن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيد فائدة وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك‏.‏ والثاني أنه لو اعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظرًا إلى مفهوم بالأنثى قال‏:‏ وهذا يرد على ما ذكرنا أيضًا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى‏.‏ والثالث أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت - لا يقال - تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكر هنا يعني في البقرة يصلح مفسرًا فلا يجعل ناسخًا وأما أن تلك يعني آية المائدة ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بها فلا تكون هي منسوخة بها‏.‏ ودليل آخر على عدم النسخ أن تلك أعني النفس بالنفس حكاية لما في التوراة وهذه أعني الحر بالحر الخ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها تلك وإلى هذا أشار يعني الزمخشري بقوله‏:‏ ولأن تلك عطفًا على مضمون قوله ويقولون هي مفسرة لكنهم يقولون إن المحكي في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرر فيصلح ناسخًا وما ذكرنا من كونه مفسرًا إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهمًا ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعي تأخر العام حيث يجعله ناسخًا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللّهم إلا أن يقال إن في قوله الحر بالحر الآية دلالة على وجوب اعتبار المساواة في الحرية والذكورة دون الرق والأنوثة انتهى كلام السعد‏.‏

- والحاصل - إن الاستدلال بالقرآن على قتل الحر بالعبد أو عدمه أو قتل الذكر بالأنثى أو عدمه لا يخلو عن إشكال يفت في عضد الظن الحاصل بالاستدلال فالأولى التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى منها حديث الباب وإن كان لا يخلو عن إشكال لأن قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية بأنه لا يقتل المسلم بالكافر‏.‏ ومنها ما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى وهو عندهما عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالأنثى ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد اللّه بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ‏.‏ وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر ومن طريقه الدارقطني‏.‏ ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلًا‏.‏ ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال‏:‏ ‏(‏قرأت في كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم‏)‏ ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبيهقي موصولًا مطولًا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفرقه الدارمي في مسنده عن الحكم مقطعًا‏.‏

قال الحافظ‏:‏ وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل‏:‏ قد أسند هذا الحديث ولا يصح والذي في إسناد سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم وقال في موضع آخر‏:‏ لا أحدث به وقد وهم الحكم بن موسى في قوله سليمان بن داود وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأ في أصل يحيى بن حمزة سليمان بن أرقم وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي أنه الصواب وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو الحسن الهروي وغيرهما وقال صالح جزرة حدثنا دحيم قال قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم قال صالح كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج‏.‏

قال الحافظ أيضًا‏:‏ ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري وقال هذا أشبه بالصواب‏.‏

وقال ابن حزم في المحلى‏:‏ صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقوم بها حجة وسليمان بن داود متفق على تركه‏.‏ وقال عبد الحق‏:‏ سليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ويقال إنه سليمان بن أرقم وتعقبه ابن عدي فقال‏:‏ هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود وقد جوده الحكم بن موسى وقال أبو زرعة‏:‏ عرضت على أحمد فقال سليمان بن داود اليمامي ضعيف وسليمان بن داود الخولاني ثقة وكلاهما يروي عن الزهري والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ‏.‏ وحكى الحاكم عن أبي حاتم أنه سئل عن عمرو بن حزم فقال سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم والبيهقي ونقل عن أحمد أنه قال‏:‏ أرجو أن يكون صحيحًا وصححه أيضًا من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته‏:‏ لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغنى بشهرته عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة‏.‏ قال‏:‏ ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال‏:‏ وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

وقال العقيلي‏:‏ هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري‏.‏

وقال يعقوب ابن أبي سفيان‏:‏ لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابًا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم‏.‏

قال الحاكم‏:‏ قد شهد عمر بن عبد العزيز وإمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور‏.‏ ومما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏وهم يقتلون قاتلها‏)‏ وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء‏.‏ ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة‏.‏ ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضًا أنّا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى ‏{‏ولكم في القصاص حياة‏}‏ وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة‏.‏ منها كراهية توريثهن‏.‏ ومنها مخافة العار لا سيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى من رام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلط القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية‏.‏‏(‏لا يقال‏)‏ يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدًا لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر لأنا نقول هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت‏.‏

- وفي حديث الباب - دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وسيأتي بيان الخلاف فيه‏.‏ وفيه أيضًا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى ‏{‏وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وقوله تعالى ‏{‏وجزاء سيئة سيئة مثلها‏}‏ وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم من حديث البراء وفيه‏:‏ ‏(‏ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه‏)‏‏.‏

قال البيهقي‏:‏ في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن قتل غيره بإبجاره الخمر أو اللواط به‏.‏ وذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف‏.‏ واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة‏.‏ منها لا قود إلا بالسيف وأخرجه ابن ماجه أيضًا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة‏.‏

وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة‏.‏ وأخرجه الدارقطني من حديث علي‏.‏ وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود‏.‏ وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلًا وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم‏:‏ حديث منكر‏.‏ وقال عبد الحق وابن الجوزي‏:‏ طرقه كلها ضعيفة‏.‏ وقال البيهقي‏:‏ لم يثبت له إسناد‏.‏

ويؤيد معنى هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضًا حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة‏)‏ وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به ولهذا كان صلى اللّه عليه وآله وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلًا يستحق القتل قال قائلهم يا رسول اللّه دعني أضرب عنقه حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة وقد ثبت النهي عنها كما سيأتي‏.‏

وأما حديث ابن عمر‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ يقتل القاتل ويصبر الصابر‏)‏ أخرجه البيهقي والدارقطني وصححه ابن القطان‏.‏ فالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلًا‏.‏ وقد قال الدارقطني الإرسال فيه أكثر‏.‏ وقال البيهقي الموصول غير محفوظ‏.‏

وأما حديث أنس المذكور في الباب فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف‏.‏

2 - وعن حمل بن مالك قال‏:‏ ‏(‏كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

3 - وعن أنس قال‏:‏ ‏(‏كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المثلة‏)‏‏.‏

رواه النسائي‏.‏

4 - وعن عمران بن حصين قال‏:‏ ‏(‏ما خطبنا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏ وله مثله من رواية سمرة‏.‏

الحديث الأول أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة والمغيرة بن شعبة ولكن بدون زيادة قوله‏:‏ ‏(‏وأن تقتل بها‏)‏ التي هي المقصود من ذكر الحديث ههنا وقد قال المنذري‏:‏ إن هذه الزيادة لم تذكر في غير هذه الرواية‏.‏ وحديث أنس رجال إسناده ثقات فإن النسائي قال أخبرنا محمد بن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا هشام عن قتادة عن أنس فذكره‏.‏ وحديث عمران بن حصين في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم انتهى‏.‏ وأحاديث النهي عن المثلة أيضًا أصلها في صحيح البخاري من حديث عبد اللّه بن يزيد الأنصاري وفي غيره من حديث ابن عباس قال الترمذي‏:‏ وفي الباب يعني في النهي عن المثلة عن عبد اللّه بن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي أيوب انتهى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمسطح‏)‏ بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة أيضًا بعدها حاء مهملة‏.‏ قال أبو داود‏:‏ قال النضر بن شميل‏:‏ المسطح هو الصولج انتهى‏.‏ والصولج الذي يرقق به الخبز وقال أبو عبيد‏:‏ هو عود من أعواد الخباء‏.‏

وقد استدل المصنف رحمه اللّه بحديث حمل بن مالك المذكور على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وإليه ذهب الجمهور ومن أدلتهم أيضًا حديث أنس المذكور أول الباب‏.‏ وحكي في البحر عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وأبي حنيفة أنه لا قصاص بالمثقل واحتجوا بما أخرجه البيهقي من حديث النعمان بن بشير قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ كل شيء خطأ إلا السيف ولكل خطأ أرش‏)‏ وفي لفظ‏:‏ ‏(‏كل شيء سوى الحديدة خطأ ولكل خطأ أرش‏)‏ وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي وقيس بن الربيع ولا يحتج بهما وأيضًا هذا الدليل أخص من الدعوى فإن أبا حنيفة يوجب القصاص بالمحدد ولو كان حجرًا أو خشبًا ويوجبه أيضًا بالمنجنيق لكونه معروفًا بقتل الناس وبالإلقاء في النار فالراجح ما ذهب إليه الجمهور لأن المقصود بالقصاص صيانة الدماء من الإهدار والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إتلاف النفوس فلو لم يجب به القصاص كان ذلك ذريعة إلى إزهاق الأرواح والأدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابًا وسنة وردت مطلقة غير مقيدة بمحدد أو غيره وهذا إذا كانت الجناية بشيء يقصد به القتل في العادة وكان الجاني عامدًا لا لو كانت بمثل العصا والسوط والبندقة ونحوها فلا قصاص فيها عند الجمهور وهي شبه العمد على ما سيأتي تحقيقه وسيأتي أيضًا بقية الكلام على حديث حمل بن مالك في باب دية الجنين من أبواب الديات - وقد استدل - بالأحاديث المذكورة في النهي عن المثلة القائلون بأنه لا يجوز الاقتصاص بغير السيف وقد قدمنا الخلاف في ذلك‏.‏ قال الترمذي‏:‏ وكره أهل العلم المثلة‏.‏

 باب ما جاء في شبه العمد

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود‏.‏

2 - وعن عبد اللّه بن عمرو‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏ ولهم من حديث عبد اللّه بن عمر مثله‏.‏

حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد‏.‏ والحديث الثاني أخرجه أيضًا البخاري في التاريخ وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه الدارقطني في سننه وساق أيضًا فيه الاختلاف وقد صححه ابن حبان‏.‏ وقال ابن القطان‏:‏ هو صحيح ولا يضره الاختلاف‏.‏

وحديث عبد اللّه بن عمر الذي أشار إليه المصنف لفظه في سنن أبو داود قال‏:‏ ‏(‏خطب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يوم الفتح على درجة البيت أو الكعبة‏)‏ وذكر مثل الحديث الذي قبله وذكر له طرقًا في بعضها علي بن يزيد بن جدعان ولا يحتج بحديثه وسيأتي في باب أجناس مال الدية حديث عقبة بن أوس عن رجل من الصحابة وهو مثل حديث عبد اللّه بن عمرو الثاني‏.‏

- وفي الباب - عن علي عند أبي داود أنه قال في شبه العمد أثلاثًا ثلاث وثلاثون حقة‏.‏ وثلاث وثلاثون جذعة‏.‏ وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة‏.‏ وفي إسناده عاصم بن ضمرة وقد تكلم فيه غير واحد‏.‏ وعن علي أيضًا عند أبي داود قال‏:‏ ‏(‏في الخطأ أرباعًا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض‏)‏ وعن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت عند أبي داود قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وفي الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وعشرون بني لبون ذكورًا وعشرون بنات مخاض‏.‏

وأخرج أبو داود عن علقمة والأسود أنهما قالا قال عبد اللّه في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض‏.‏ - وقد استدل - بأحاديث الباب من قال إن القتل على ثلاثة أضرب‏:‏ عمد‏.‏ وخطأ‏.‏ وشبه عمد‏.‏ وإليه ذهب زيد بن علي والشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فجعلوا في العمد القصاص‏.‏ وفي الخطأ الدية التي سيأتي تفصيلها‏.‏ وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والإبرة مع كونه قاصدًا للقتل دية مغلظة وهي مائة من الإبل أربعون منها في بطونها أولادها‏.‏

وقال ابن أبي ليلى‏:‏ إن قتل بالحجر أو العصا فإن كرر ذلك فهو عمد وإلا فخطأ‏.‏

وقال عطاء وطاوس‏:‏ شرط العمد أن يكون بسلاح‏.‏ وقال الجصاص‏:‏ القتل ينقسم إلى عمد وخطأ وشبه العمد وجار مجرى الخطأ وهو ما ليس إنهاء كفعل الصلحاء‏.‏

قال الإمام يحيى‏:‏ ولا ثمرة للخلاف إلا في شبه العمد‏.‏ وقال مالك والليث والهادي والناصر والمؤيد باللّه وأبو طالب‏:‏ إن القتل ضربان عمد وخطأ فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة والعمد ما عداه والأول لا قود فيه‏.‏

وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك والثاني فيه القود‏.‏ ولا يخفى أن أحاديث الباب صالحة للاحتجاج بها على إثبات قسم ثالث وهو شبه العمد وإيجاب دية مغلظة على فاعله وسيأتي تفصيل الديات وذكر أجناسها إن شاء اللّه تعالى ‏.‏

 باب من أمسك رجلًا وقتله آخر‏.‏

1 - عن ابن عمر‏:‏ عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

2 - وعن علي رضي اللّه عنه‏:‏ ‏(‏أنه قضى في رجل قتل رجلًا متعمدًا وأمسكه آخر قال‏:‏ يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت‏)‏‏.‏

رواه الشافعي‏.‏

حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني من طريق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ورواه معمر وغيره عن إسماعيل‏.‏ قال الدارقطني‏:‏ والإرسال أكثر‏.‏ وأخرجه أيضًا البيهقي ورجح المرسل وقال‏:‏ إنه موصول غير محفوظ‏.‏ قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ ورجاله ثقات وصححه ابن القطان‏.‏ وقد روي أيضًا عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعًا والصواب عن إسماعيل قال‏:‏ ‏(‏قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الحديث‏.‏ ورواه ابن المبارك عن معمر عن سفيان عن إسماعيل يرفعه قال‏:‏ اقتلوا القاتل وأصبروا الصابر يعني احبسوا الذي أمسك‏.‏ وأثر علي رضي اللّه عنه هو من طريق سفيان عن جابر عن عامر عنه‏.‏

- والحديث - فيه دليل على أن الممسك للمقتول حال قتل القاتل له لا يلزمه القود ولا يعد فعله مشاركة حتى يكون ذلك من باب قتل الجماعة بالواحد بل الواجب حبسه فقط‏.‏ وقد حكى صاحب البحر هذا القول عن العترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية‏.‏

- وقد استدل - لهم بالحديث والأثر المذكورين وبقوله تعالى ‏{‏فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم‏}‏ وحكي في البحر أيضًا عن النخعي ومالك والليث أنه يقتل الممسك كالمباشر للقتل لأنهما شريكان إذ لولا الإمساك لما حصل القتل‏.‏ أجيب بأن ذلك تسبب مع مباشرة ولا حكم له معها والحق العمل بمقتضى الحديث المذكور لأن إعلاله بالإرسال غير قادح على ما ذهب إليه أئمة الأصول وجماعة من أئمة الحديث وهو الراجح لأن الإسناد زيادة مقبولة يتحتم الأخذ بها والحبس المذكور جعله الجمهور موكولًا إلى نظر الإمام في طول المدة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره إلى الموت وقد أخذ بما روي عن علي رضي اللّه عنه من الحبس إلى الموت ربيعة‏.‏

 باب القصاص في كسر السن

1 - عن أنس‏:‏ ‏(‏أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر‏:‏ يا رسول اللّه أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ يا أنس كتاب اللّه القصاص فرضي القوم فعفوا فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ إن من عباد اللّه من لو أقسم على اللّه لأبره‏)‏‏.‏

رواه البخاري والخمسة إلا الترمذي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الربيع‏)‏ بضم الراء وهي بنت النضر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فطلبوا إليها العفو‏)‏ أي طلب أهل الجانية إلى المجني عليها العفو فأبى أهل المجني عليها‏.‏ وفي رواية للبخاري فطلبوا إليهم العفو فأبوا أي إلى أهل المجني عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأمر رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏ الخ فيه دليل على وجوب القصاص في السن وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك وهو نص القرآن وظاهر الحديث وجوب القصاص ولو كان ذلك كسرًا لا قلعًا ولكن بشرط أن يعرف مقدار المكسور ويمكن أخذ مثله من سن الكاسر فيكون الاقتصاص بأن تبرد سن الجاني إلى الحد الذاهب من سن المجني عليه كما قال أحمد بن حنبل وقد حكى الإجماع على أنه لا قصاص في العظم الذي يخاف منه الهلاك وحكى عن الليث والشافعي والحنفية أنه لا قصاص في العظم الذي ليس بسن لأن المماثلة متعذرة لحيلولة اللحم والعصب والجلد‏.‏ قال الطحاوي‏:‏ اتفقوا على أنه لا قصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام وتعقب بأنه مخالف لحديث الباب فيكون فاسد الاعتبار وقد تأول من قال بعدم القصاص في العظم مطلقًا إذا كسر هذا الحديث بأن المراد بقوله كسرت ثنية جارية أي قلعتها وهو تعسف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا والذي بعثك بالحق‏)‏ الخ قيل لم يرد بهذا القول رد حكم الشرع وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة وقيل إنه وقع منه ذلك قبل علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجني عليه أو ورثته الدية أو العفو وقيل غير ذلك وجميع ما قيل لا يخلو من بعد ولكنه يقربه ما وقع منه صلى اللّه عليه وآله وسلم من الثناء عليه بأنه ممن أبر اللّه قسمه ولو كان مريدًا بيمينه رد ما حكم اللّه به لكان مستحقًا لأوجع القول وأفظعه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كتاب اللّه‏)‏ الأشهر فيه الرفع على أنه مبتدأ والقصاص خبره ويجوز فيه النصب على المصدرية لفعل محذوف كما في صبغة اللّه ووعد اللّه ويكون القصاص مرفوعًا على أنه خبر مبتدأ محذوف وأشار صلى اللّه عليه وآله وسلم بذلك إلى قوله تعالى ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ وقيل إلى قوله تعالى ‏{‏والسن بالسن‏}‏ وهو الظاهر‏.‏

 باب من عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته

1 - عن عمران بن حصين‏:‏ ‏(‏أن رجلًا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا أبا داود‏.‏

2 - وعن يعلى بن أمية قال‏:‏ ‏(‏كان لي أجير فقاتل إنسانًا فعض أحدهما صاحبه فانتزع إصبعه فأندر ثنيته فسقطت فانطلق إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فأهدر ثنيته وقال‏:‏ أيدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا الترمذي‏.‏

في رواية مسلم عن عمران بن حصين أنه قال‏:‏ ‏(‏قاتل يعلى بن أمية رجلًا فعض أحدهما صاحبه‏)‏ ظاهره يخالف ما في حديث يعلى المذكور من قوله‏:‏ ‏(‏كان لي أجير فقاتل إنسانًا‏)‏ وسيأتي الجمع‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عض يد رجل‏)‏ في رواية لمسلم‏:‏ ‏(‏عض ذراع رجل‏)‏ وفي رواية للبخاري‏:‏ ‏(‏فعض إصبع صاحبه‏)‏ وقد جمع بتعدد القصة وقيل رواية الذراع أرجح من رواية الإصبع لأنها من طريق جماعة كما حقق ذلك صاحب الفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثنيتاه‏)‏ هكذا في رواية البخاري عند الأكثر‏.‏ وفي رواية للكشميهني ثناياه بصيغة الجمع‏.‏ وفي رواية بصيغة الإفراد كما وقع في حديث يعلي ويجمع بين ذلك بأنه أريد بصيغة الإفراد الجنس وجعل صيغة الجمع مطابقة لصيغة التثنية عند من يجيز إطلاق صيغة الجمع على المثنى ولكنه وقع في رواية للبخاري إحدى ثنيتيه وهي مصرحة بالإفراد والجمع بتعدد الواقعة بعيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاختصموا‏)‏ في رواية بصيغة التثنية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعض أحدكم‏)‏ بفتح أوله وبفتح العين المهملة بعدها ضاد معجمة مشددة لأن أصله عضض بكسر الضاد الأولى يعضض بفتحها ثم أدغمت ونقلت الحركة التي عليها إلى ما قبلها والمراد بالفحل الذكر من الإبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فعض أحدهما صاحبه‏)‏ لم يصرح بالفاعل وقد ورد في بعض الروايات أن رجلًا من بني تميم قاتل رجلًا فعض يده ويعلى هو من بني تميم ويدل على ذلك رواية مسلم المتقدمة واستبعد القرطبي وقوع مثل ذلك من مثل يعلى وأجيب باحتمال أن يكون ذلك في أول الإسلام قال النووي‏:‏ إن الرواية الأولى من صحيح مسلم تدل على أن المعضوض يعلى‏.‏

وفي الرواية الثانية والثالثة منه أن المعضوض أجير يعلى وقد رجح الحافظ أن المعضوض أجير يعلى قال ويحتمل أنهما قصتان وقعتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين وقد تعقب الزين العراقي في شرح الترمذي ما قاله النووي بأنه ليس في رواية مسلم ولا غيره من الكتب الستة ولا غيرها ما يدل على أن يعلى هو المعضوض لا صريحًا ولا إشارة قال فيتعين أن يكون يعلى هو العاض انتهى‏.‏ ولكنه يشكل على ذلك ما في حديث يعلى المذكور في الباب من أن المقاتلة وقعت بين أجيره وإنسان آخر فلا بد من الجمع بتعدد القصة كما سلف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأندر‏)‏ بالنون والدال المهملة والراء أي أزال ثنيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقضمها‏)‏ بسكون القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح وهو الإمساك بأطراف الأسنان ‏ـ ‏والحديثان‏ ـ‏ يدلان على أن الجناية إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش وإليه ذهب الجمهور ولكن بشرط أن لا يتمكن المعضوض مثلًا من إطلاق يده أو نحوها بما هو أيسر من ذلك وأن يكون ذلك العض مما يتألم به المعضوض وظاهر الدليل عدم الاشتراط وقد قيل إنه من باب التقييد بالقواعد الكلية وفي وجه للشافعية أنه يهدر مطلقًا‏.‏

وروي عن مالك أنه يجب الضمان في مثل ذلك وهو محجوج بالدليل الصحيح وقد تأول أتباعه ذلك الدليل بتأويلات في غاية السقوط وعارضوه بأقيسة باطلة‏.‏ وما أحسن ما قال بن يحيى بن يعمر‏:‏ لو بلغ مالكًا هذا الحديث لم يخالفه وكذا قال ابن بطال ‏.‏

 باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم‏.‏

1 - عن سهل بن سعد‏:‏ ‏(‏أن رجلًا اطلع في حجر في باب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ومع رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مدري يرجل به رأسه فقال له‏:‏ لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك إنما جعل الأذن من أجل البصر‏)‏‏.‏

2 - وعن أنس‏:‏ ‏(‏أن رجلًا اطلع في بعض حجر النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقام إليه النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم بمشقص أو بمشاقص فكأني أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه‏)‏‏.‏

3 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏لو أن رجلًا اطلع عليك بغير أذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏

4 - وعن أبي هريرة‏:‏ ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏(‏من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حلَّ لهم أن يفقؤا عينه‏)‏‏.‏

رواه أحمد ومسلم‏.‏

وفي رواية‏:‏ ‏(‏من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية له ولا قصاص‏)‏‏.‏

رواه أحمد والنسائي‏.‏

اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضًا ابن حبان وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مدرى‏)‏ المدرى بكسر الميم وسكون الدال المهملة عود يشبه أحد أسنان المشط وقد يجعل من حديد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمشقص‏)‏ بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف بعدها صاد‏.‏ قال في القاموس‏:‏ المشقص كمنبر نصل عريض أو سهم فيه ذلك والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يختل‏)‏ بفتح الياء التحتية وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليطعنه‏)‏ بضم العين وقد تفتح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فخذفته‏)‏ الخذف بالخاء المعجمة الرمي بالحصاة وأما بالحاء المهملة فهو بالعصا لا بالحصا‏.‏

- وقد استدل - بأحاديث الباب من قال إن من قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقأ عينه ولا قصاص ولا دية للتصريح بذلك في الحديث الآخر ولقوله‏:‏ ‏(‏فقد حلَّ لهم أن يفقؤا عينه‏)‏ ومقتضى الحل أنه لا يضمن ولا يقتص منه ولقوله‏:‏ ‏(‏ما كان عليك من جناح‏)‏ وإيجاب القصاص أو الدية جناح ولأن قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم المذكور لو أعلم أنك تنظر طعنت به في عينك يدل على الجواز‏.‏

وقد ذهب إلى مقتضى هذه الأحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي‏.‏ وخالفت المالكية هذه الأحاديث فقالت إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم وجب عليه القصاص أو الدية وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء وغاية ما عولوا عليه قولهم إن المعاصي لا تدفع بمثلها وهذا من الغرائب التي يتعجب المنصف من الإقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الأحاديث الصحيحة فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها ومن جملة ما عولوا عليه قولهم إن الحديث وارد على سبيل الغليظ والإرهاب ويجاب عنه بالمنع والسند أن ظاهر ما بلغنا عنه صلى اللّه عليه وآله وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدل على إرادة البالغة وقد تخلص بعضهم عن الحديث بأنه مؤوّل بالإجماع على أن من قصد النظر على عورة غيره لم يكن ذلك مبيحًا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها ويجاب أولًا بمنع الإجماع وقد نازع القرطبي في ثبوته وقال إن الحديث يتناول كل مطلع قال لأن الحديث المذكور إنما هو لمظنة الإطلاع على العورة فبالأولى نظرها المحقق ولو سلم الإجماع المذكور لم يكن معارضًا لما ورد به الدليل لأنه في أمر آخر فإن النظر إلى البيت ربما كان مفضيًا إلى النظر إلى الحرم وسائر ما يقصد صاحب البيت ستره عن أعين الناس‏.‏

وفرق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع وفي خالص ملك المنظور إليه وبعضهم فرق بين من رمى الناظر قبل الإنذار وبعده وظاهر أحاديث الباب عدم الفرق‏.‏ - والحاصل - أن لأهل العلم في هذه الأحاديث تفاصيل وشروطًا واعتبارات يطول استيفاؤها وغالبها مخالف لظاهر الحديث وعاطل عن دليل خارج عنه وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثير فائدة وبعضها مأخوذ من فهم المعنى المقصود بالأحاديث المذكورة ولا بد أن يكون ظاهر الإرادة واضح الاستفادة وبعضها مأخوذ من القياس وشرط تقييد الدليل به أن يكون صحيحًا معتبرًا على سنن القواعد المعتبرة في الأصول ‏.‏

 باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الاندمال

1 - عن جابر‏:‏ ‏(‏أن رجلًا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏

2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏:‏ ‏(‏أن رجلًا طعن رجلًا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقال‏:‏ أقدني فقال‏:‏ حتى تبرأ ثم جاء إليه فقال‏:‏ أقدني فأقاده ثم جاء إليه فقال‏:‏ يا رسول اللّه عرجت قال‏:‏ قد نهيتك فعصيتني فأبعدك اللّه وبطل عرجك ثم نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه‏)‏‏.‏

رواه أحمد والدارقطني‏.‏

حديث جابر أخرجه أيضًا أبو بكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عنه‏.‏

وأخرجه أيضًا عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد وقال أبو الحسن الدارقطني أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلًا وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ يعني المرسل وأخرجه أيضًا البيهقي من حديث جابر مرسلًا بإسناد آخر‏.‏ وقال‏:‏ تفرد به عبد اللّه الأموي عن ابن جريج وعنه يعقوب بن حميد وأخرجه أيضًا من وجه آخر عن جابر قال‏:‏ ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ تقاس الجراحات ثم يتأنى بها ثم يقضي فيها بقدر ما انتهت إليه‏)‏ وفي إسناده ابن لهيعة وكذا رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير من وجهين آخرين عن جابر ولم يصح شيء من ذلك وحديث عمرو بن شعيب قال الحافظ في بلوغ المرام‏:‏ وأعل بالإرسال وقد تقدم الخلاف في سماع عمرو بن شعيب واتصال إسناده‏.‏ وأخرجه أيضًا الشافعي والبيهقي من طريق عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة‏.‏

- وقد استدل - بالحديثين المذكورين من قال إنه يجب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك وإليه ذهبت العترة وأبو حنيفة ومالك وذهب الشافعي إلى أنه يندب فقط وتمسك بتمكينه صلى اللّه عليه وآله وسلم الرجل المطعون بالقرن المذكور في حديث الباب من القصاص قبل البرء‏.‏ واستدل صاحب البحر على الوجوب بقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم‏:‏ ‏(‏اصبروا حتى يسفر الجرح‏)‏ وأصله‏:‏ ‏(‏أن رجلًا طعن حسان بن ثابت فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم القصاص فقال‏:‏ انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم فبرئ حسان ثم عفا‏)‏ وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي كما أنه قرينة لصرف النهي المذكور في حديث جابر إلى الكراهة‏.‏

وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قرينة أن أمره الأنصار بالانتظار للوجوب لأن دفع المفاسد واجب كما قال في ضوء النهار فيجاب عنه بأن محل الحجة هو أذنه صلى اللّه عليه وآله وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال وهو لا يأذن إلا بما كان جائزًا وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور وليس ظهورها بكلي ولا أكثري حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال أو مظنونة فلا يجب ترك الإذن دفعًا للمفسدة الناشئة منه نادرًا نعم قوله‏:‏ ‏(‏ثم نهى أن يقتص من جرح‏)‏ الخ يدل على تحريم الاقتصاص قبل الاندمال لأن لفظ ثم يقتضي الترتيب فيكون النهي الواقع بعدها ناسخًا للإذن الواقع قبلها‏.‏